فصل: تفسير الآية رقم (155):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}.
تشير إلى حسن إمهاله سبحانه للعبد إذا تغيَّر عن حدِّ التمييز، وغَلَبَ عليه ما لا يطيق ردَّه من بواده الغيب.
وإذا كانت حالة الأنبياء- عليهم السلام- أنه يغلبهم ما يعطلهم عن الاختيار فكيف الظن بِمنْ دونهم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ثلاثين ليلة} لئلا تستكثر النفس الأربعين من ضعف البشرية {وأتممناها بعشر} الخصوصية الأربعين في ظهور ينابيع الحكمة من القلب على اللسان {وقال موسى} الروح {لأخيه هارون} القلب عند توجهه لمقام المكالمة والتجلي كن خليفتي في قومي من الأوصاف البشرية و{وأصلح} ذات بينهم على وفق الشريعة وقانون الطريقة {ولا تتبع سبيل المفسدين} من الهوى والطبيعة. وهذه الخلافة هي السر الأعظم في بعثة الروح من ذروة عالم الأرواح إلى حضيض عالم الأشباح {ولما جاء موسى} ولما حصل الروح على بساط القرب وتتابع عليه كاسات الشرب أثر فيه سماع الكلمات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه ف {قال رب أرني أنظر إليك} فقيل: هيهات أنت بعد في بعد الأثنينية وحجب جبل الأنانية فلن تراني لأنه لا يراني إلا من كنت له بصرًا فبي يبصر {ولكن انظر} إلى جبل الأنانية {فإن استقر مكانه} عند التجلي {فسوف تراني} ببصر أنانيتك {وخر موسى صعقًا} بالأنانية فكان ما كان بعد أن بان ما بان وأشرقت الأرض بنور ربها.
قد كان ما كان سرًا أبوح به ** فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر

فلو لم يكن جبل أنانية النفس بين موسى الروح وتجلي الرب لطاش في الحال وما عاش، ولولا أن القلب يحيا عند الفناء بالتجلي لما أمكنه الإفاقة والروح إلى الوجود، ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلي ولا بالتحلي فافهم. {فما أفاق} من غشية الأنانية بسطوة تجلي الربوبية {قال} موسى بلا هويته {سبحانك} تنزيهًا لك من خلقك واتصال الخلق بك {وانا أوّل المؤمنين} بأنك لا ترى بالأنانية وإنما ترى بنور هويتك. {برسالاتي وبكلامي} دون رؤيتي {وكن من الشاكرين} فإن الشكر يبلغك إلى ما سألت من الرؤية لأن الشكر يورث الزيادة والزيادة هي الرؤية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] {فخذها بقوّة} أي بقوة الصدق والإخلاص أو بقوة وإعانة منا {سأريكم دار الفاسقين} الخارجين عن طلب الله إلى طلب الآخرة أو الدنيا {سأصرف عن آياتي} فبحجاب التكبر يحجب المتكبر عن رؤية الآيات {واتخذ قوم موسى} أي سامري الهوى من بعد توجه موسى الروح لميقات مكالمة الحق.
اتخذ حلى زينة الدنيا ورعونات البشرية التي استعارها بنو إسرائيل صفات القلب من قبط صفات النفس {عجلًا} هو الدنيا {له خوار} يدعو الخلق به إلى نفسه {ولما سقط في أيديهم} عند رجوع موسى الروح إلى قومه وهم الأوصاف الإنسانية ندمت من فعلها وعادت إلى ما كانت فيه من عبودية الحق والإخلاص له قائلة {إن لم يرحمنا} بجذبات العناية {ربنا} الآية: {غضبان} مما عبدت صفات القلب عجل الدنيا {أسفًا} على ما فاتها من عبودية الحق {أعجلتم أمر ربكم} بالرجوع إلى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير أن يأمركم به ربكم. وفيه إشارة إلى أن أصحاب السلوك لا ينبغي أن يلتفتوا إلى شيء من الدنيا في أثناء الطلب اللهم إلا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا إلى كعبة وصال المولى فيأمرهم المولى أن يرجعوا إلى الدنيا لدعوة الخلق {وألقى الألواح} يعني ما لاح للروح من اللوائح الربانية عند استيلاء الغضب الطبيعي. {وأخذ برأس أخيه} القلب فإنه أخو الروح {يجره إليه} قسرًا عند استيلاء طبيعة الروحانية {قال ابن أم} هما من أب وأم واحد أبوهما الأمر وأمهما الخلق، وإنما نسبه إلى الخلق لأن في عالم الخلق تواضعًا وتذللًا بالنسبة إلى عالم الأمر. {إن القوم استضعفوني} يعني أن أوصاف البشرية استذلوني بالغلبات عند غيبتك {وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء} وهم الشيطان والنفس والهوى {ولا تجعلني مع القوم الظلمين} فيه أن صفات القلب تتغير وتتلون بلّون صفات النفس ورعونتها، ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وإنما يمرض بتغير صفاته كما أن النفس لا تتغير من حيث هي عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها، وإنما تتغير صفاتها من الأمارية إلى اللوّامية والملهمية والمطمئنية والرجوع إلى الحق، ولو وكلت إلى نفسها طرفة عين لعادت إلى طبعها {رب اغفر لي ولأخي} إشارة إلى أن اللوح والقلب استعداد قبول الجذبة الإلهية التي يدخلها بالسير في عالم الصفات {وكذلك نجزى المفترين} الذين يدّعون أن الله أعطاهم قوّة لا يضرهم عبادة الهوى والدنيا وشهواتها. اهـ.

.تفسير الآية رقم (155):

قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ سبحانه من ذكر الوعد بالميقات المقصود به سعي الكليم عليه السلام فيما يهديهم إلى صراط الله، وذكر سعيهم فيما أضلهم عن الطريق باتخاذهم العجل، وكان ختام ذلك ما بدا من موسى عليه السلام من الشفقة على أخيه ثم على الكافة بأخذ الألواح عند الفراغ مما يجب من الغضب لله، رد الكلام على ذكر شيء فعله في الميقات مرادٍ به عصمتُهم في صراط الله بنقلهم- بمشاركته في سماعهم لكلام الله- من علم اليقين إلى عين اليقين بل حق اليقين شفقة عليهم ورحمة لهم، ليكون إخبارهم عما رأوا مؤيدًا لما يخبر به، فيكون ذلك سببًا لحفظهم من مثل ما وقعوا فيه من عبادة العجل، ومع ذلك وقع منهم العصيان بطلب ما لا ينبغي لهم من الرؤية على وجه التعنت، فقال: {واختار} أي اجتهد في أخذ الخيار {موسى قومه} ثم أبدل منهم قوله: {سبعين رجلًا} إشارة إلى أن من عداهم عدم، لا يطلق عليهم اسم القوم في المعنى الذي أراده، وهو نحو ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما- «الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة» ثم ذكر علة الاختيار فقال: {لميقاتنا} أي فما أختار إلا من رأى أنه يصلح لما نريد من عظمتنا في الوقت الذي حددناه له، ودنا بهم من الحضرة الخطابية في الجبل هو وهارون عليهما السلام، واستخلف على بني إسرائيل يوشع بن نون عليه السلام، كل ذلك عن أمر الله له، وفي هذا الكلام عطف على قوله: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} [الأعراف: 142] فيكون الميقات هو الأول وهو ظلاهر التوارة كما مر بيانه في البقرة، ويجوز أن يكون عطفًا على قوله: {واتخذ قوم موسى} [الأعراف: 148] أو على قوله: {أخذ الألواح} [الأعراف: 154] وحينئذ يكون هذا الميقات غير الميقات الأول، ويؤيده ما نقل من أن هارون عليه السلام كان معهم، وكأنهم لما سمعوا كلام الله طلب بعضهم الرؤية جاعليها شرطًا لإيمانهم فقالوا: {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة: 55] كما فعل النقباء الاثنا عشر حين أرسلهم لجس أحوال الجبارين فنقص أكثرهم، فأخذتهم الرجفة فماتوا، فخشي موسى عليه السلام أن يتهمه بنو إسرائيل في موتهم كنفس واحدة {فلما أخذتهم} أي أخذ قهر وغلبة {الرجفة} أي التي سببتها الصاعقة التي تقدمت في البقرة، فزلزلت قلوبهم فأماتتهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هؤلاء غير السبعين الذين قالوا: {أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة} [النساء: 153] وأن أولئك كانوا قبل هؤلاء، فالظاهر أن سبب الرجفة ما رأوا عند سماع الكلام من جلال الله وعظيم هيبته من الغمام الذي تغشى الجبل والقتار والبروق وأصوات القرون وغير ذلك بحيث كادت الرجفة- وهي رعدة- تفرق أوصالهم بعضها من بعض {قال} أي موسى تملقًا لربه سبحانه: {رب} أي أيها المحسن إليّ {لو شئت أهلكتهم} أي أمتّهم.
ولما لم يكن إهلاكهم مستغرقًا للماضي، أدخل الجارفقال: {من قبل وإياي} أي قدرتك عليّ وعليهم قبل أن نقترب من هذه الحضرة المقدسة ونحن بحضرة قومنا كقدرتك علينا حين تشرفنا بها، وقد أسبلت علينا ذيل عفوك وأسبغت علينا نعمتك ونحن في غيرالحضرة فلم تهلكنا، فإنعامك علينا ونحن في حضرة القدس وبساط القرب والأنس أولى.
ثم لما كان الحال مقتضيًا لأن يقال: ألم تر إلى ما اجترؤوا عليه، وكان كأنه قال: إنما قال ذلك قوم منهم سفهاء، دل على ذلك بقوله استعطافًا: {أتهلكنا} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجفتهم كانت بسبب أنهم لم ينهوا عن عبادة العجل مع أنهم لم يرضوا بذلك.
وكأن موسى عليه السلام عبر بهذه العبارة المقتضية لإهلاك الجميع لأنه جوز أنه كما أهلك هؤلاء يهلك غيرهم لتقصير آخر بسبب ذلك كعدم الجهاد مثلًا حتى يعمهم الهلاك {بما فعل السفهاء منا} فكأنه صلى الله عليه وسلم رضي أنه إن لم يشملهم العفو أن يخص العفو بمن لم يذنب بالفعل ويعفو عمن قصر بالسكوت، وعلى تقدير كون الميقات غير الأول يجوز أن يكون بعد اتخاذهم العجل كما تقدم عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، فيكون موسى عليه السلام خاف أن يكون إهلاكهم فتنة لبني إسرائيل وسببًا لكفرهم كما كان إبطاؤه عنهم بزيادة عشرة أيام الثلاثين في الميقات الأول سببًا لاتخاذهم العجل، ويجوز حينئذ أن يراد بفعل السفهاء اتخاذ العجل، ويؤيده التعبير بالفعل دون القول وقد تقدم نقله عن ابن عباس- رضي الله عنهما.
ولما كان قوله هذا ربما أفهم رضاه بهلاك المذنبين، قال معرضًا بالسؤال في العفو عن الجميع: {إن هي} أي الفتنة التي أوقعها السفهاء {إلا فتنتك} أي ابتلاؤك واختبارك {تضل بها من تشاء} أي تظهر في عالم الشهادة من ضلاله ما كان معلومًا لك في عالم الغيب {وتهدي من تشاء} أي تظهر ما في علمك من ذلك.
ولما أثبت أن الكل بيده، استأنف سؤاله في أن يفعل لهم الأصلح فقال: {أنت} أي وحدك {ولينا} أي نعتقد أنه لا يقدر على عمل مصالحنا غيرك، وأنت لا نفع لك في شيء من الأمرين ولا ضر، بل الكل بالنسبة إليك على حد سواء، ونحن على بصيرة من أن افعالك لا تعلل بالأغراض، وعفوك عنا ينفعنا وانتقامك منا يضرنا، ونحن في حضرتك قد انقطعنا إليك وحططنا رحال افتقارنا لديك.
ولما اثبت أنه الفعال لما يشاء وأنه لا ولي لهم غيره، وكان من شأن الولي جلب النفع ودفع الضر، سبب عن كونه الولي وحده قوله بادئًا بدفع الضرر: {فاغفر لنا} أي امح ذنوبنا {وارحمنا} أي ارفعنا؛ ولما كان التقدير: فأنت خير الراحمين، عطف عليه قوله: {وأنت خير الغافرين} أي لأن غيرك يتجاوز عن الذنب للثناء أو الثواب أو دفعًا للصفة الخسيسة وهي صفة الحقد ونحوه، وأنت منزه عن ذلك، وكأنه أحسن العفو عنهم فقال عاطفًا على سؤاله فيه: {واكتب لنا}. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{عذابي أصيب} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع {أصارهم} على الجمع: أبو جعفر ونافع وابن عامر وسهل ويعقوب والمفضل. الباقون على التوحيد.

.الوقوف:

{لميقاتنا} ج للابتداء بكلمة الجزاء مع فاء التعقيب {وإياي} ط {منا} ج لتصدر ان النافية مع اتحاد القائل: {فتنتك} ج لأن ما بعده مستأنف {وتهدي من تشاء} ط {الغافرين} o {إليك} ط {من أشاء} ط للفصل بين الجملتين تعظيمًا لشأنهما مع الاتفاق في اللفظ {كل شيء} ط للتبيين واختلاف الجملتين والفاء لاستئناف وعد على الخصوص {يؤمنون} o ج لاحتمال ما بعده النصب أو الرفع على المدح والجر على البدل {الإنجيل} ج لأن {يأمرهم} يحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو يأمرهم، وأن يكون نعتًا أي مكتوبًا أمرًا أو بدلًا من {مكتوبًا} أو مفعولًا بعد مفعول أي يجدونه أمرًا، أو يكون التقدير الأمي الذي يأمرهم فيكون كالبدل من الصلة {كانت عليهم} ط {أنزل معه} لا لأن ما بعده خبر فالذين. {المفلحون} o {والأرض} ج لاحتمال ما بعده الابتداء والحال أي استحق ملك السموات غير مشارك {ويميت} ط لطول الكلام وإلا فالفاء للجواب أي إذا كنت رسولًا فأمنوا إجابة. {تهتدون} o {يعدلون} o. اهـ.